(في الأعلى) مسيحيات خلال جنازة البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم في سورية الشهر الماضي، و(في الأسفل) مسلمة إيرانية خلال احتفال بذكرة الثورة الإيرانية العام الماضي
فيما يزيد عدد
المحجبات المسلمات في الدول الإسلامية والعربية، فقد الحجاب شكله ولونه وحضوره على
رأس المرأة الغربية في دول أوروبا وأميركا بفعل العولمة حسب دراسات مسيحية، إلا
أنّه في السنوات الأخيرة وفق موقع «سكرول بليشينغ» المختص في الدراسات الدينية
المسيحية، انضمّت آلاف المسيحيات من الكنائس والتجمّعات المستقلة إلى فئة من
النساء المسيحيات اللاتي لا يزلن يرتدين غطاء الرأس في جميع الأوقات، وذلك في سعي
لإحياء ممارسة ارتداء الحجاب في العصر الجديد، حتى بلغ الأمر بظهور مسيحيات بحجاب
لا يمكن تمييزه عن الحجاب الإسلامي.
وحسب موقع
جامعة «هارتفورد» هناك «توجّه اسرائيلي لتكثيف معارض الأزياء والموضة التي تهتمّ
بأغطية الرأس للمسيحيات واليهوديات والمسلمات في الشرق الأوسط لوجود إقبال من نساء
بمختلف الديانات على غطاء الرأس».
الحجاب بين
المسلمات ليس جديداً ولكنّه حسب مواقع كـ «مصركرونيكولز» و«إسلام توداي» وغيرها من
المواقع الإسلامية التي رصدت زيادة المقبلات من المسلمات على الحجاب الإسلامي ما
ساعد على ازدهار تجارة تصميم وبيع اللباس الإسلامي للمسلمات الشابات وصغيرات السن.
ويبدو هذا
التوجّه نحو اللباس الإسلامي النسائي خصوصاً الحجاب مؤشراً واضحاً على زيادة
متفاوتة بين دول العالم الإسلامي على خيار اللباس الذي يرمز إلى الحياء والوقار
والتدين خصوصاً في مصر ودول الخليج والمغرب العربي.
هذه الظاهرة
التي تشير إلى اتساع ارتداء الحجاب في الدول العربية والإسلامية والتي حاربها
إعلام الغرب مع مشاريع قوانين تمنع ظهور المتحجبات خصوصاً المنقبات في أماكن عامة،
ترسل رسالة مهمة مفادها أنّ اختيار المرأة العربية لهذا اللباس ليس قسراً وبقوة
الخطاب الديني أو الأسرة بقدر ما هو تعبير عن زيادة الحرية الفردية للمرأة بعد
موجة التحرّر التي سادت الكثير من الدول العربية والإسلامية والتي أفرزت في جزء
منها انتشار اللباس الديني كغطاء الرأس في دول مثل تونس ومصر والجزائر ودول الخليج.
ربما من الصعب أن تفرق بينهن..
امرأة تقرّر
أن تلبس حجاباً أسود عادة ما يُشار إليها في العالم المعاصر بأنها تنتمي إلى
الديانة الإسلامية، لكن في بعض مناطق العالم يكون التمييز صعباً بين مسيحية ومسلمة
من خلال فقط الحجاب التي ترتديه، فتجد اللون الأسود نفسه والشكل نفسه ووضعيته على
الرأس نفسها إلا بعض الفروقات التي لا يميّزها إلا مَن يدقّق كثيراً في تفصيلات
اختلاف ثقافة حجاب المرأة من دولة إلى أخرى. فبعض الاختلافات قد تكمن في بعض
اللمسات على الحجاب وشكله وطيه وضبطه على شكل الرأس وقد تدلّ زينة الحجاب وطريقة
ارتدائه في بعض الأحيان على الانتماء إلى طائفة أو ديانة على الرغم من أن بعضهن
يرتدين لحافاً كغطاء للرأس فقط وليس إشارة إلى الانتماء إلى طائفة أو ديانة
معيّنة. لكن تتقلّص الفروقات بين لون وشكل الحجاب إلى حدِّ عدم التمييز بين امرأة
مسيحية ومسلمة على سبيل المثال في مناطق سورية، فمن الوهلة يعتقد مَن يتأمّل فيهن
أنّهن مسلمات من خلال النظر إلى طريقة لباسهن وشكل حجابهن، لكن في الأخير يتّضح
أنهنّ مسيحيّات. فهل تطرق العولمة ثقافة ارتداء الحجاب بنية تقليص الفروقات بينها
فيما يتمسّك البعض بأنّها ممارسة تعني الحفاظ على الهوية والمعتقد والعادات
والتقاليد؟
بقيت بعض
الاختلافات في الزيِّ الديني او الطائفي للمرأة مع اختلاف الأديان والمعتقدات وتستمرّ
منذ القدم إلى اليوم. في المقابل هناك بعض التشابه من ناحية أخرى في شكل بعض
الأوشحة النسائية أو بالحجاب الذي ترتديه بعض النساء في دول عربية على سبيل
المثال. ففي الدول العربية يطغى اللون الأسود على حجاب المرأة المسلمة والمتديّنة،
إلا أنّ هذا اللون كان سائداً كثيراً ومسيطراً على حجاب المرأة إلى فترة
الثمانينيات حيث بدأت موضة الألوان تكتسح حتى الألبسة (الإسلامية) التي ترمز إلى
طائفة أو عقيدة معينة، فصارت بعض النساء تخترن بعض الألوان الزاهية وهو منحى ساد
كثيراً في تركيا على سبيل المثال.
لكن في دول
الشرق الأوسط ودول الشام القديمة خصوصاً سورية، لبنان والأردن بالإضافة إلى فلسطين
يضاف إليها أيضاً مصر ودول الخليج، لم يكتسح غزو الألوان حجاب المرأة إلا أخيراً
وبشكل محدود مع بقاء اللون الأسود الطاغي على حجاب المرأة في هذه الدول.
لكن هل تأثرت
المسيحيات في الدول العربية بشكل الحجاب الإسلامي ام هي مجرد صدفة؟
في مطلع القرن
العشرين، كانت الأغطية المزخرفة من القرن التاسع عشر أفسحت الطريق إلى ظهور قبعات
السيدات. حتى منتصف القرن العشرين، كانت النساء في أوروبا وأميركا يرتدين قبعة
عادية أو وشاحاً في الأماكن العامة، لكن ذلك كان مجرد تقليد سرعان ما تدخّل فيه
عالم الموضة بعد أن كان في الأصل السبب وراء ممارسة روحية. وحتى حوالي عام 1960،
ارتدت المرأة الغربية القبعات عندما تكون في الكنيسة. ولكن شيئا فشيئاً فقدت
القبعة هذا المقصد.
أما في الشرق
الأوسط، فلا توجد إحصاءات دقيقة لعدد النساء المسيحيات، ولكن الأغلب أنّهن منتشرات
بين لبنان والعراق وسورية وفلسطين ومن دون شك التمركز الرئيسي لهن في مصر مع بعض
الحضور الطفيف في دول الخليج المقتصر على أقليات مسيحيّات من الوافدات العاملات.
ويظهر حسب تقارير لـ«غلوبال ريسيرش» أنّ اكثر اندماج في العادات والتقليد بين
المسيحيّين والمسلمين في دول مثل لبنان وسورية ثم مصر، وذلك لتاريخ تواجد
المسيحيين والمسيحيات في هذه الدول حتى أصبح العديد من التقاليد في اللباس والأكل
متقاربا جداً حتى تماهى في شكل الحجاب واللباس الديني لفئة من المسيحيات السوريات
اللواتي ترتدين حجاباً أسود وغطاء رأس أسود من دون وجود اللون الأبيض الذي عادة ما
يظهر في شكل اللباس الديني للراهبات.
الحجاب ... ظاهرة إسلامية
أظهرت دراسة
اكاديمية لقسم الاجتماع والانتروبولوجيا لجامعة «كونكودرديا» في مونتريال بكندا
قام بها الباحث هوما هودفار حول حجاب المرأة وتاريخه لدى العرب والغرب، أنّ «لباس
الحجاب في التاريخ القديم أي قبل الإسلام ارتبط بعزلة المرأة اي المعتكفة ثم سميت
بالراهبة وهذا المصطلح نشأ في الغرب والمجتمعات غير العربية. أول إشارة إلى الحجاب
هي في النص الآشوري القانوني الذي يرجع تاريخه إلى قبل الثالث عشر قبل الميلاد،
حيث كان لباساً يقتصر على النساء المحترمات. تاريخياً، في الغرب مَن تلبس الحجاب
فهي تقبع في العزلة او في أماكن العبادة المغلقة، وكان الحجاب يوضع أيضاً كدلالة
اجتماعية ولباس ترتديه نخبة في العهد القديم تحديداً في عصور ما قبل الإمبراطوريات
اليونانية والرومانية وما قبل إيران وبيزنطة الإسلاميتين». وفي وقتٍ لاحق اعتمد
المسلمون الحجاب، واليوم هناك اعتراف واسع من قبل المسلمين وغير المسلمين، إنّ
الحجاب ظاهرة إسلامية». تقول الدراسة.
احترام الغرب للراهبات المحجّبات
نُشرت دراسة
للكاتب محمد أصغر بعنوان «المرأة المسلمة والحجاب» على موقع «إسلام إن وتش» خلصت
إلى أنَّ «العالم الغربي لا يجد أيّ مشكلة مع الراهبات المسيحيات اللواتي تغطين
رؤوسهن بالحجاب، فلماذا ينبغي أن يشعر بالقلق من النساء المسلمات التي يرتدينه!»
فهل يرى الغرب أنّ الحجاب ممارسة غربية مقتصرة على الراهبات المعزولات عن المجتمع
ويرفض النساء اللاتي يظهرن بالحجاب علنا؟».
الموضة والحجاب في الغرب
كشفت دراسة
نُشرت على موقع «سكرول بليشينغ» المختصّ في الدراسات الدينية المسيحية عنوانها
«حجاب المرأة المسيحية عبر القرن العشرين»، كشفت أنّ «النساء المسيحيّات استمررن
في الحفاظ على ممارسة ارتداء الحجاب عبر القرون خصوصاً القرنين التاسع عشر
والعشرين. خلال القرن التاسع عشر، بدأ العديد من المسيحيّين في الولايات المتحدة
وأوروبا الغربية بحجة أنّ النساء ذوات الشعر الطويل يحتجن لتغطية رؤوسهن. وقال آخرون
إنّ النساء بحاجة فقط لارتداء غطاء عندما يكنّ في الكنيسة. تحوّلت نساء الطبقة
الوسطى ومن طبقة الأثرياء من ارتداء الحجاب والقبعات المزخّرفة إلى لباس «البونيه»
هو غطاء يميل أكثر إلى الشكل الرياضي اللاتي ترتديه لاعبات التنس، والآن بات جزء
كبير من النساء الغربيات لا يرتدين غطاء على الرأس على الإطلاق. وأصبحت أكثر
الأغطية في دول الغرب تخضع لصيحات الموضة فمنها من يرمز إلى الحياء أو الطاعة أو
غايات أخرى».