Wednesday, May 1, 2013

اللبناني وقصر النظر



من ضمن شبكة المشاكل العديدة المتجذرة في مجتمعنا اللبناني، تتقدم مشكلة قصر النظر الى الواجهة الاجتماعية، بدعم من قريبتها الحميمة التعصب، وذلك بخطوات ثابتة لترسم طريق الفتنة القادمة لامحالة.
هذا لا يعني أن الفتنة غير موجودة، ولكن القول ليس مثل الفعل، بالرغم من كون الاول مقدمة للثاني.
الأول يذكر بعضنا بأيام قاسية عشناها خلال الحرب الأهلية، بينما الثاني يشكل هدفاً للبعض الذي لم يعش تلك الأيام وقساوتها.

اللبنانيون لا ينظرون ابعد من واقعهم، وهذه حقيقة واضحة لقلة منهم.
اللبنانيون لا يربطون واقعهم بتاريخهم ليستنبطوا العبر، ولا يربطون واقعهم بمستقبلهم ليتفادوا المأسي.
الاحداث الجارية حالياً بمحدوديتها الزمنية هي ما تحدد هوية اللبناني حالياً، ونقطة على السطر.
والأحداث الجارية هي من يحددها الزعيم او القائد المفدى، ونقطة على ثاني سطر.
وسياسة الزعيم او القائد المفدى تحددها تبعيته للخارج، ونقطة على ثالث سطر.
بالتالي فإن الخارج العربي والغير عربي يحدد دور الزعيم المحلي الذي يحدد بدوره هوية اللبناني التابع له. وانتهت أول فقرة في رواية حياة اللبناني اليومية.

لكن للفقرة هوامش تفسيرية:
اللبنانيون يعبدون قادة احزابهم وتياراتهم شاؤا ام أبوا.
والارتباط بميثاق حزبي هو من النوادر، فالقائد هو الحزب والحزب هو القائد.
الميثاق والنظام الداخلي هي إضافات تجميلية للطاعة العمياء.
وبما أن القائد هو انسان غير معصوم من الخطأ حسب الطبيعة الانسانية، فمن الطبيعي أن يخطئ.
لكن خطأ القائد، المستحيل بنظر عباده كونه الرب الأرضي، يحدد هوية عباده اللبنانية.
فالعباد تدفع ثمن خطأ القائد أو الرب الأرضي... وليس فقط عليها ان تدفع!!! بل عليها ان تبرر حكمة القائد وبعد نظره... مع ان بعد نظره في واقعنا لا يتخطى المصلحة الشخصية...
وهل تظنون أن الدفع ينتهي هنا؟؟؟ كلا!!! لأنه لا بد للعباد ان يبرروا أيضاً حكمة رب أعلى.. أي الخارج... مع ان حكمته في واقعنا لا تتخطى المصالح الاقليمية وتوفر الغاز والنفط...

ونعود الى واقعنا... لنفسر الفقرة وهوامشها التفسيرية...
نعم وللأسف!!! في رواية حياة اللبناني اليومية لا بد من تفسير الهوامش لأن الرواية جداً معقدة للقارئ.
اللبنانيون يتبعون ساستهم بالروح والدم، وساستهم يسوقونهم للفتنة بأمر الخارج، أبوا ام نكروا.
اللبنانيون قادرون علي تغيير شعارات واقعهم بسرعة رهيبة تبعاً لأهواء الرب وأربابه.
اللبنانيون يدافعون بشراسة عن الواقع المفروض ولا يتفكرون في المستقبل بقصر نظر واضح.

ولتوضيح الاشكالية المطروحة، لنأخذ بعض الأمثلةً من الواقع مع قصر النظر المرافق:
الولايات المتحدة الأميركية صديقة حميمة...مع أن كل أصدقائها السابقين أعدموا أو سجنوا أو حبسوا.
الصراع العربي الاسرائيلي صار عربي ايراني وبالتالي سني شيعي... مع ان الصراع الطائفي العربي يخفف العبء عن إسرائيل
الانقسام الطائفي يتحول الى دويلات طائفية... مع ان تفتت الدول العربية يسهل عملية القضم والتوسع لإسرائيل
الخط التكفيري يقضي على الوجود المسيحي في الشرق.... مع ان رحيل المسيحيين يشكل الحلم الصهيوني الديني لإسرائيل 
اسرائيل أقل خطر من بعض العرب وبالتالي يمكن التحالف معها... مع أن العدو هنا صار العربي الآخر وبطيخ يكسر بعضوا (راجع قصور النظر السابقة وهداياها لإسرائيل)
فلسطين سقطت عمداً غير سهواً من القاموس العربي... مع ان سقوط فلسطين سيتبعه سقوط ثاني وثالث و....
السلام مع اسرائيل واقع لا محالة والتطبيع التجاري لا بد منه... مع ان اللوبي الصهيوني بمصارفه واعماله يسيطر ويتحكم بالقرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية
إمارات وممالك الخليج تدعم الثورات وحركات التحرر العربية... مع أن شعوبها مدعوسة و كل الشعوب التي ((تحررت)) اصبحت ضمن القبضة الاقتصادية والسياسية لهذه الإمارات والممالك

ألا يكفي واقع واحد من ما ذكرت لتشتعل النخوة العربية؟؟؟؟؟ مثل أيام عبد الناصر!!! يوم كان العدو واضح المعالم!!!
لماذا أصبحت النخوة العربية مرتبطة فقط بعذرية الفتاة (وليس الرجل) وزواريب السياسة الداخلية؟؟؟

فالواقع اذاً في واد عميق ومظلم ... واللبنانيون بقصر نظرهم لا يكفون عن الدوران في حلقات مفرغة في هذا الوادي... الا من رحم ربي ورفع نظره عالياً ليخرج من قوقعته ويترك إلاهه الأرضي وعباده في الواد... يخرج إنساناً حراً يبحث عن الحقيقة وينادي بالحق بمعزل عن قائله....

فالعبد هو من يتٌبع الشخص... والحر هو من يتٌبع الفكرة